الاثنين، 20 يناير 2020




يوم تسلقت لمكتبة شقيقي الكبير
مـــــن الــــذاكــــرة

     بدأت عندي هواية مطالعة القصص والروايات عندما كنت بالصف السادس بالمرحلة الإعدادية أي في أوائل الخمسينات من القرن الماضي ، وكنت وكثيرمن أقراني نلجأ لمكتبة صغيرة جدا قريبة من مدرسة ملجأ الأيتام في وسط مدينة حماه  ،تعلق على واجهتها المجلات والروايات البوليسية  المستعملة وخاصة روايات أرسين لوبين والمسمى اللص الظريف ويؤجر صاحبها كتاب القصة بفرنك ليوم واحد أو إثنين .
    وكان مايحز بنفسي أنني أمشي مسافة طويلة وأدفع من خرجيتي أجور رواية لمدة قصيرة أشبع نهمي للمطالعة ‘ في حين أن شقيقي الكبيرتوفيق لديه خزانة مصفوفة بالكتب والروايات والمجلات ولكنه شديد الحرص عليها يمنع علينا نحن إخوته الصغارمن فتح هذه الخزانة وتصفح محتوياتها خوفا عليها من الضياع أوالتمزق ، وكنا جميعا نهابه لشخصيته الجادة ووسامته وقامته المديدة ، لذلك كلما دخلت غرفته حاملا له فنجان قهوته أوإحدى مستلزماته أنظربطرف عيني نحو المكتبة فأجدها مغلقة ومفاتيح عديدة معلقة داخل القفل ، فأتمنى بيني وبين نفسي لو أن شقيقي ذوالسطوة والهيبة ينسى مرة واحدة هذه الخزانة بدون قفل ، ومن ثم أعود راجعا متحسرا .
     وفجأة تسنت لي باحد الأيام فرصة غيرمتوقعة ، فبعد ذهاب شقيقي لوظيفته صباحا طلبت مني الوالدة توصيل بعض ألبسة أخي بعد كيها لغرفته ، وفور دخولي وكالعادة نظرت نحوخزانة الكتب وكانت المفاجأة غير متوقعة عندما شاهدت المفتاح لازال بفتحة قفل الخزانة وتتدلى بجانبه العديد من المفاتيح المتنوعة ، فإبتسمت فرحا بأن الفرصة السانحة قد حللت ولكنها تحتاج لتحايل وخفة فالوالدة لن تسمح ببقائي بغرفة شقيقي تحسبا من العبث بأغراضه والتعرض لخصوصيته وتعرف رغبتي بالإطلاع على كنز الكتب .
     غافلت الوالدة مشغولة بالمطبخ وتسللت لغرفة أخي حيث واجهت أول عقبة بأن طول قامتي لايسمح لي بالوصول لأن الخزانة حائطية وفتحتها عالية ، فحملت كرسيا وضعته في مكان ضيق وصعدت بحذرومن ثم حركت المفتاح وسمعت بسرور طقة القفل حيث تمكنت من فتح باب الخزانة ، وبخفة وسرعة تناولت كتابي المنشود الذي أعرف مكانه من سلسلة روايات دار الهلال بعنون "المملوك الشارد" من تأليف جرجي زيدان ، ومن ثم أعدت الأمور كما كانت وإنسللت راجعا لغرفة الجلوس وخبأته بعيدا عن الأنظار  .
   أقبلت على قراءة الرواية سرا بوضعها ضمن كتاب مدرسي خوفا من إعتراض الوالدة وتوبيخ الوالد وغضب أخي الذي يحرص على عدم تعرض كتبه ومجلاته لأي مس من إخوته إلا في حالات خاصة ، ورغم إنفعالي فسرعان ماشدتني أحداثها فتابعت القراءة بتلهف ، لما فيها من مغامرة وجرأة تلهب خيال الشباب ، فالرواية تحكي عن مجزرة القلعة التي دبرها والي مصر السلطان محمد علي باشا الكبيروقضى فيها على المماليك وكيف إستطاع أحد فرسانهم الشجعان الهرب من القلعة على صهوة جواده  وفرمتواريا خارج القاهره ومصر حتى وصل بلاد الشام.
    كان لزاما عليّ إعادة الكتاب إلى مكانه بل والحصول على كتاب آخردون أن يعلم أحد بالأمر ، ولكن ذلك ليس بالسهل فقد إختفت المفاتيح في غياهب جيوب أخي الذي صارينظرلي بإرتياب وأنا أراقبه عند خروجه صباحا إلى عمله ، لذلك إستبقت الأحداث وصارحت الوالدة بما حصل ورجوتها مساعدتي بإرجاع الكتاب إلى مكانه  متعهدا عدم تكرار ذلك مستفبلا .ولكن المفاجأة أن شقيقي لم يغضب بل شعر بالسرور لهواية المطالعة عندي ورحب بإعارتي أي كتاب أرغبه ولكن بشرط إعادته بحالة جيدة  ، ومن تلك الرواية ومنظر الخزانة الحائطية المليئة بالكتب ،بدأت هواية المطالعة الجادة عندي لأقرأ كل مايصل ليديّ من الكتب والقصص العربية والأجنبة المترجمة.
  
  محســــــــــــــن القطمــــــــــه                     
مقالي في جريدة الوطن الصادرة في مدينة مسيسياغا- تورنتو - كندا بالعددرقم329 وتاريخ 
4 / 10 / 2019 والصفحة رقم21 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  يكمن سر "القصص العظيمة" في عدم وجود أسرار فيها. "القصص العظيمة" هي القصص التي سمعتها وتريد الاستماع إليها مرة أخرى. تل...