الخميس، 1 يوليو 2021

  

ذاكرة الرجل العجوز

في يوم شديد البرودة وندف من الثلج الطري تتساقط بهدوء، وقف الرجل العجوز على رصيف الشارع  متسائلاً مع ذاته أين محل الورود؟

شارع المدينة موطن وممر للعديد من العابرين نساء ورجال من مختلف الأعمار ، لكن الرجل العجوز كان لا يزال في حيرة وتساؤل . وقف ملتصقا على عمود إنارة عتيق  ، ويداه تتدليان كما كان ظهره متيبسا يشعر بالبرد القارس ، تحركت قدماه إلى الأمام ، مسترشدا بعفوية ذاكرته يبحث عن محل بيع الورود الذي طالما إشترى من عنده في الأيام الخوالي ،ولكن المدينة فقدت سحرها الصبياني بالنسبة لهذا الزائر العجوز الجديد ، الذي نظر بدهشة للعديد من المتاجر البراقة والمطاعم والمقاهي الجديدة ليرى وجوه الناس المشرقة بالبهجة وهم بداخلها يحتسون الشراب الدافئ ناسين البرد في الخارج.

كانت المدينة تنبض بالحياة مع الصباح وعبرت عربة بها بعض الحلوى والمشروبات والأطعمة الساخنة ، نظر الرجل العجوز نحو العربة وتمنى لو يتاح له تذوق صحن من السحلب الساخن أو إستكانة شاي يدفئ بها أوصاله في هذا البرد القارس ، ومع ذلك مشى . أقلعت حمامة من طريقه ، ترفرف بأعلى ضوضاء في أذنيه ، إستدار منعطفًا واصطدم بصنبور إطفاء. وقف برهة يحيطه الغموض والتساؤل عن سبب وجوده في هذا المكان. وتذكر سبب مجيئه :

كان بحاجة إلى وردة حمراء ليقدمها هدية لها في عيد الحب!

لقد أعمت السنوات ذاكرته بضباب أحداث الماضي ، لكن لحظة واحدة كانت واضحة وضوح الشمس إذا أغمض عينيه ، حيث يستحضرعقله ، انعكاس صورته وهو شاب على زجاج ذلك المقهى ووردة على طية صدره وبصره يبرق في عينيه مقبلا يفتح الباب ، وكانت هناك في ثوبها القرمزي. عيون مشرقة ترفع بابتسامتها كلما رأته.

كم هو غريب أن الوقت يتسارع عندما يستمتع المرء ، لكن في ذلك المقهى ، بدا أن الوقت يقف ساكنًا معها دهرا في ذلك اليوم. لكن الرجل كان عجوزًا ، وقد عاش طويلًا بما يكفي حتى لا تتجاوز تلك اللحظة الآن ، لحظة غذت ذاكرته طوال حياته.

عندما فتح عينيه في شارع مألوف يبحث عن ذلك المبنى الذي تعيش فيه. كان في حيرة من أمره، بالتأكيد تذكرالآن ذلك المعبر والمبنى القديم خلفه. كم هذا غريب.

تحرك لعبور الطريق ، بخطى متلهفة على الخرسانة الباردة.نعم ، لقد تذكر هذا! قليلاً إلى اليسار ، بجوار مخبز الكاتو والمعجنات ، أول الزقاق المجاور للمنزل الصغير!لقد جاء سابقا ليقف في الظلام ، لأن نور الإنسان والطبيعة لم يشق طريقه هناك بعد. لكنه لم يكن بحاجة إلى أن يرى ، لأن عينيه كانتا مغلقتين بالفعل ، والذاكرة أكثر حدة من البصر.مرر يده على طول شجرة البلوط. مر عبر إطار الباب الفارغ. أومأت له من الزاوية وانضم إليها بطريقة ما ، كانت جالسة على كرسي وحيد باقٍ.

بعد ذلك بفترة قصيرة كانت أم طويلة ، غادر ووصل إلى النور مرة أخرى. كان حازما. سيجد وردة يقدمها لها. تاركًا سلامة الذاكرة ، تجول مرة أخرى في الشارع.

حيث اكتشف عرضًا محلا مليئا بالورود باللون الأحمر والأرجواني والأصفر وجميع الألوان الأخرى التي تذكرها. دخل بشغف ، وابتسامة دائخة على وجهه. "أريد وردة." قال لبائع الزهور.

"أي نوع من الوردة تريد؟ " سأل بائع الزهور بسرور.

فوجئ الرجل العجوز. لم يكن يعرف أنواع الورود. "أريد وردة." قال مرة أخرى ، محاولًا ألا يبدو حزينًا.

هز بائع الزهور كتفيه ثم هز يديه ، وظهرت وردة في كل منهما ، واحدة حمراء وواحدة بيضاء.

أمسك الرجل العجوز بالوردة الحمراء، هز رأسه وهم بالمغادرة.

"مهلا! مهلا!" نادى بائع الزهور ، "عليك أن تدفع ثمن ذلك!"

يدفع؟ صفعت يد الرجل العجوز بشكل غريزي جيبه بلا جدوى. "لا أستطيع".

"ورد الرجل "لا يمكنك الحصول على الوردة إذن."

أعاد الوردة على مضض وبعد لحظة عاد إلى صقيع الرصيف مرة أخرى.

وقاده طريقه الخالي من الهدف في الشارع إلى جانب المطعم. نظر إلى الداخل ورأى باقة من الورود على طاولة نظيفة. أشرق وجهه، هؤلاء كانوا للزينة ، وليسوا للبيع؟

شق طريقه للداخل وأمسك وردة. وبينما كان يسير عائدا منتصرا نحو الباب ، اقترب منه رجل يرتدي زي النادل. ماذا تعتقد أنك تفعل؟" زمجر الرجل.

أمسك الرجل العجوزبوردته عن قرب ، "لا شيء".

"لا يمكنك أن تأخذ واحدة من هؤلاء فقط." رفع الرجل صوته ، " هل تأكل هنا؟" "لا."

"إذن لا يمكنك أن تأخذ ما تريد!" انتزع النادل الوردة بقوة من يدي الرجل العجوز. وسالت قطرة قرمزية أسفل إبهامه، نظر إلى الأرضية المكسوة بالبلاط ، وهو جاهز تقريبًا للبكاء.

"أوووه ، استمر! دعه يأخذ وردته ". صوت نسائي من على طاولة. نظر الرجل العجوز إلى الأعلى ، كانت سيدة تقترب من نصف عمره تصرخ بالنادل.

الذي قال: "سيدتي ، أؤكد لك ...". قاطعته ، "فقط أعطه إياه ، وإلا سأرحل".

ألقى النادل نظرة على وجه السيدة. العابس ، ودفع الوردة إلى الرجل العجوز واختفى بسرعة في المطبخ. غمزت السيدة للرجل العجوزمبتسمة وعادت لتناول طعامها.

خرج الرجل العجوز ، ببساطة ممتنًا للسيدة بعد حصوله للوردة.

مرت عدة ساعات قبل أن يجدوه ، وكان لا يزال يتجول على الرصيف ، ابتسامة عريضة على وجهه ، وشعر غارق في الثلج. توقفت سيارة سوداء حديثة بجانبه ، وكان بإمكانه سماع صوتا نسائيا في الداخل يؤنب السائق، "لا ، لقد كنت محظوظًا هذه المرة وأقسم أنه إذا رفعت عينيك عنه مرة أخرى ..." وفتحت باب السيارة ونزلت قائلة ، "ها أنت عزيزي . " .وأخذت ذراعه ووجهته برفق إلى الداخل وجلست بجانبه  وعلى وجهها  ابتسامته ، "ماذا حدث لك؟" .

وبينما هم في طريقهم ، أخذ يدها ووضع الوردة في كفها واتسعت ابتسامته

محسن القطمه  أوكفيل - أونتاريو - 1/7 / 2021





---------------------

  يكمن سر "القصص العظيمة" في عدم وجود أسرار فيها. "القصص العظيمة" هي القصص التي سمعتها وتريد الاستماع إليها مرة أخرى. تل...