الثلاثاء، 10 سبتمبر 2019


أيــــــــــام عالبــــــــــــــــــال

من موقــــف الباصــــات إلى منطقــة البحصـــــة

         عند ذهابي من الشربيشات حيث أسكن خلال دراستي الجامعية في أوائل سنوات الستينات ، إلى منطقة البحصة مسافة طويلة ، كنت أقطعها على مرحلتين الأولى تبدأ من موقف الشويكة قريبا من سكني بالشريبيشات، حيث أصعد الباص الواصل من بوابة الميدان والذي يسيرمحاذيا سكة حديد محطة الحجاز، حتى التفريعة المؤدية لشارع خالد إبن الوليد بجانب فوج الإطفاء ، ويتابع طريقه حتى يصبح بين مبنى مؤسسة الهاتف ومقهى الحجاز فيلتف يمينا نحو شارع النصر ومن ثم يتوقف عن السير قريبا من القصر العدلي حيث مواقف جميع الباصات ، ومن هنا تبدأ المرحلة الثانية بالسير نحومنطقة البحصة.
    منطقة موقف الباصات وسط النهار هي الأكثر إزدحاما في دمشق ، لأنها نقطة تلاقى الكثير من المارة ، البعض منهم يتجه نحو المبنى المهيب لقصر العدل ، والبعض يتجه لمدخل سوق الحميدية ، وآخرون يتجهون  إلى أسواق الحريقة أويتابعون السير في شارع الدرويشية حتى باب الجابية ، وكثير من الناس يدلفون سوق الكهرباء ومايجاوره من مهن مرتبطة به ، أويسيرون في نزلة السنجقدار الشهيرة بنشاطها التجاري والمالي بما فيها من محلات الصرافة والحوا لات ومكاتب الشركات ، وآخرون يتابعون مشيتهم بشارع النصرغربا نحو نزلة شارع رامي حيث على زاويتها اليمنى سينما شعبية تستهوي من لديهم أوقات الفراغ ، ولكن ما أن تسير خطوات قليلة حتى تصل لزاوية أول بناء ضخم حديث بدمشق وهو بناية العابد حيث على جدارها المتجه غربا محلات صغيرة عديدة أكثرها يقوم بالترجمة والطباعة وخدمة مكاتب المحامين والدوائر الحكومية في هذا المبنى الذي يعج بالمراجعين الذي يسيرون في طوابقه وممراته ومكاتبه بدون هوادة ، وبقلب هذا المبنى وفي الطابق الأرضي منه مقهى فسيح عالى السقف يستوعب ضوضاء رواده ، وعلى الجانب المطل على ساحة المرجة تتلاصق المحلات العريقة في صناعة وبيع الحلويات الشامية الشهيرة المعروضة بفن وذوق جذاب وكذا محلات بيع الفواكه المجففة والموالح والمكسرات وعدد قليل من باعة الخمور الأجنبية ، وقريبا منها تصطف بسطات بيع الخرداوات المتنوعة التي يحتاجها الزائرون العابرون وأكثر أصحابها يعملون كوسطاء في صرافة العملات الأجنبية .
      والواقع عند الوقوف بجوار حلويات مهنا الشهيرة في بناية العابد القابعة بثقة ، فأنت في حالة فريدة من إمتاع النظرلأنك تقف في محراب ساحة المرجة أوساحة الشهداء التي إرتبط إسمها بدمشق حيث يرتفع في وسطها العمود الشهيربلونه الرمادي المخضر وفي أعلاه مجسم مصغر لمسجد على الطراز العثماني يتلاقى بالأفق مع جبل قاسيون العظيم الذي يحتضن دمشق ، وعلى الأرض تقابل مباشرة جامع يلبغا الأثري يلاصقه سوق القرمان حيث ينفتح بجانبه على العديد من الأسواق التقليدية القديمة المتصلة مع بعضها كسوق العتيق واللحوم والخضارالتي تصلك مع شارع الملك فيصل الجديد، وعلى الجانب الآخرغربا ينفتح على شارع القوتلي أو طريق بيروت مرورا بجسر فكتوريا ، وغير بعيد مبنى مجلس الوزراء والجوازات.
      في هذا المكان وفي تلك الأيام فأنت بحضن ساحة المرجة وتشهد دمشق وهي تودع بيوت الطين والأسواق العتيقة وتتهيأ لدخول عالم المدن الحديثة  لتضاهي بيروت وتماثل القاهرة ، فلم تمض بضع سنوات إلا وبدأت الجرافات تزيل بيوت وفنادق البحصة القديمة وتنشئ بدلا عنها الفنادق الجديدة والشوارع العريضة والجسور والأنفاق لتبدوكعروس تخطف الأبصاربجمالها وتذكر بمجدها الأموي وتطلعها نحو المستقبل ، الذي قدم لها السم مع العسل  .
    
 محســـن القطمـــــه      مسيسياغا – تورنتو- كندا 26/06 / 2019

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  يكمن سر "القصص العظيمة" في عدم وجود أسرار فيها. "القصص العظيمة" هي القصص التي سمعتها وتريد الاستماع إليها مرة أخرى. تل...