الخميس، 15 أغسطس 2019





أيــــــام عــــالبــــــال

في الطريــق من الجامعــة وحتى منطقــة البحصــة

خلال فترة الدراسة الجامعية التي بدأتها أواخر سنة 1959 كانت دمشق تحاول أن تتأقلم مع كونها لم تعد العاصمة بعد أن توجت القاهره عاصمة للجمهورية العربية المتحدة ، بل أصبحت عاصمة الإقليم الشمالي فقط ولم تعد تستقطب العمل الدبلوماسي وأصبحت السفارات عبارة عن قنصليات تتابع الشؤون المدنية لا السياسية ، فخيم عليها جوا من الرتابة والسكينة تمثل بذبول أهمية بعض المقاهي التي كانت ملتقى القوى السياسية والحزبية مثل مقهى الهافانا ومقهى البرازيل الذي يقابله في شارع بورسعيد أو مقهى الروضة بشارع العابد القريبة من قبة البرلمان ، وحل بدلاعنها اللقاءات في مقاهي التسلية والفنادق المتوسطة بمنطقة البحصة القريبة من ساحة المرجة التي كانت تعتبر بمثابة مركز المدينة .
  في المساء أحيانا وبعد إنتهاء المحاضرا ت كنت أذهب ماشيا من مباني الجامعة القريبة من حي الحلبوني ، نحو منطقة البحصة قاصدا إما فندق قصرالنزهة الجديد في حي ساروجة القديم أو الفندق الكبير في محيط ساحة المرجة لوجود بعض من أقرائي في تلك الفنادق . وفي هذه الحالة أختارسلوك الرصيف المحاذي لرئاسة الجامعة ومشافيها ، للوصول لسوق المكتبات المزدحم بمحلات القرطاسية وعرض الكتب التراثية حتى أصل لساحة محطة الحجاز ، فأدخل بالشارع العريض  يسارا حيث يرتفع  في زاوية الشارع أفخم فنادق دمشق بتلك الأيام أوريان بالاس (فندق قصرالشرق) ذو الواجهة الحجرية البيضاء وملتقى رجال السياسة والأعمال ، وفي أول الشارع تقع سينما شعبية يرتادها الصغار غالبا لكونها تعرض أفلام المغامرات ، وبعدها قد أرتقي درجات مبنى البريد المركزي الضخم لأرمي رسالة لأهلي في الصندوق المعلق على الحائط وبجانبه هاتف للعموم يعمل بالقطع المعدنية ، وما أن أتجاوز مبنى البريد حتى أصل إلى صالة سينما العباسية بالطابق الأرضي تشع بالأنوار والإضاءات وصور الأفلام وغالبيتها أفلام عربية من بطولة نجوم تلك السنوات كفريد الأطرش وشادية وفاتن حمامه ، وعند نهاية الشارع أصل لجسر فكتوريا وذلك قبل سقف مجرى نهر بردى ، وبجانبه بالركن فندق سميراميس الضخم وقريبا منه صالة حديثة هي سينما دمشق ذات الطابقين التي تعرض هي الأخرى الأفلام العربية الشهيرة ويلاصقها فندق "قطان " الحديث والفخم .
 للذهاب إلى منطقة البحصة يتعين قطع الشارع إلى الجهة المقابلة للوصول لضفة نهر بردى حيث تتجاورعددا من المباني الحكومية الهامة  أولها بنك سوريا ولبنان وبعده مبنى رئاسة مجلس الوزراء ووزارة الداخلية والجوازات ، أو للجهة الأخرى المقابلة لتلك المباني بجانب مقهى ونادي الصفا ،وأصل بعدها لمنطقة البحصة التي تغص بالمقاهي والفنادق التي ترتادها نزلاء من الطبقات المتوسطة، التي  تبدأ من غراند أوتيل القريب من ساحة المرجة وحتى مدخل ساروجا من طلعة جوزة الحدبا ،ويطغى على مبانيها الطابقية الطينية والخشبية طابع القدم والتخلف .
وهكذا مابين الشارع الذي يتصدره مبنى محطة الحجازالمهيب ، وبأبنيته وفنادقه الفخمة وصالات السينما ومحلات السلع الحديثة والأبنية الحكومية المشيدة بفخامة على ضفة بردى ، وما بين منطقة البحصة بفنادقها ومقاهيها القديمة ، توحي لك دمشق بعدم التجانس والصراع مابين القديم والحديث والرغبة بالإنفتاح على العالم . ولاتلبث السنوات أن تمرسريعا لتمحو القديم المتهالك وينبثق الجديد الطامح وتستعيد دمشق لقب العاصمة الأموية ، وتصبح منطقة البحصة تعج بالسائحين والزوار يقصدون الفنادق والمحلات الحديثة في مجالات الأزياء والكمبيوتر.  
    محســـــن القطمـــــه   مسيسياغا – تورنتو – كندا بتاريخ 25 /06 / 2019
جامعة دمشق

كلية الحقوق
فندق سميراميس عام 1958
فندق أوريان بالاس



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

  يكمن سر "القصص العظيمة" في عدم وجود أسرار فيها. "القصص العظيمة" هي القصص التي سمعتها وتريد الاستماع إليها مرة أخرى. تل...